Jan 16, 2009

الانقسام العربي.. وحرب الإبادة

هوامش حرة
الانقسام العربي.. وحرب الإبادة بقلم: فاروق جـــويـدة

عندما اجتاحت القوات الأمريكية التراب العراقي واحتلت بغداد عاصمة الرشيد وقف العالم عاجزا أمام الطاغوت الأمريكي ومازال العراق غارقـا في دمائه ولم تتقدم يد واحده لتشارك في إنقاذ الوطن الجريح.. وعندما اجتاحت القوات الإسرائيلية الجنوب اللبناني في صيف عام 2006 لم تتحرك عاصمة عربية واحدة.. والآن اعادت إسرائيل الكره رغم هزيمتها في لبنان واجتاحت غزة بكل ما عرفت الترسانة الأمريكية من السلاح.. واكتفي العالم العربي بمجلس الأمن وقراراته العاجزة ومازالت المقاومة الفلسطينية تواجه الطاغوت ببسالة..

وما بين العجز العربي الدولي وقرارات دولية لم تتجاوز حدود الأوراق شهدت مدينة غزة جريمة من جرائم الإبادة والدمار لان ما يحدث فيها الآن لا يقوم به جيش نظامي تحكمه القوانين والتقاليد الدولية في الحروب ولكنها عصابة تعيد عصور النازي..

والغريب في الأمر أن الانقسامات العربية كانت أخطر وأسوأ مظاهر العجز العربي في العدوان الغاشم علي غزة.. لقد حاول كل طرف أن يلقي المسئولية علي أطراف أخري, وبدلا من أن تكون هناك وقفة عربية تجاه ما يحدث وجدنا الانقسامات بين الحكومات ثم انتقلت إلي الشارع العربي.. وتسللت بين المثقفين وحملة الأقلام ووجدنا من يعطي لإسرائيل المبررات فيما تفعل..

ثم وجدنا من يدين المقاومة بكل أشكالها حيث لا أمل إلا في استسلام مهين.. وللأسف الشديد أن هذه المواقف الشاذة وجدت مكانـا لها بين صفوف أبناء الشعب الفلسطيني صاحب القضية وما بين العرب المعتدلين والمتشددين وما بين السنة والشيعة.. ودعاة السلام ودعاة الحرب تجد أن هذه هي الأمة الوحيدة في العالم التي تجمع كل هذه التناقضات..

أن مأساة الانقسام هي أخطر ما يواجه العرب الآن.. هناك انقسامات واضحة وصريحة ووصلت إلي حد الهجوم وتبادل الاتهامات بين الحكومات وهناك انقسامات حول قضايا السلام الذي يدافع عنه البعض وكأنه أصبح حقيقة واقعة.. وإذا سألت وأين هذا السلام الذي تتحدثون عنه وجدت مجموعة من الحواريين الذين يتكسبون علي موائد هذه اللافتات البراقة والخادعة يقولون لا بديل عن السلام..

أي سلام هذا الذي تسعي إليه إسرائيل ومتي أكدت نواياها منذ اغتصبت فلسطين من أصحابها.. في الأسبوع الماضي شاهدت علي قناة فضائية عربية فيلما تسجيليا عن عمليات طرد الشعب الفلسطيني من أراضيه, وكان الفيلم يتحدث عن عائلات بأسمائها وممتلكاتها وأراضيها وأين هاجروا وما هو مصيرهم الآن.. واستعرض الفيلم الوثائقي أراضي يافا وعكا والقدس وكيف كانت عمليات طرد الفلسطينيين بالقتل والسلاح والابادة.. وكان الفلسطينيون يحملون معهم مفاتيح بيوتهم كما فعل المسلمون في الأندلس علي أمل أنهم سيعودون يوما.. وللأسف الشديد أنهم بعد ستين عاما مازالوا في الشتات..

لقد راهنت إسرائيل دائما علي الزمن والوقت والعجز العربي وأضافت لذلك كله داء عربيا قديما هو الانقسام والتشرذم في حين أن كل ما وضعه الاسرائيليون من مخططات لإقامة الدولة العبرية تم تنفيذه بدقة شديدة وساعد الغرب في تنفيذ هذا المخطط.. في الوقت الذي أضاع فيه العرب كل شيء ابتداء بثروة سماوية هبطت عليهم اسمها البترول وانتهاء بمئات الفرص التاريخية التي ضاعت ووقفت إسرائيل تهدد المنطقة كلها بدعم أمريكي واضح وصريح.. والغريب أن هناك أبواقـا عربية مازالت تتحدث عن النوايا الطيبة والحوار مع الآخر ومحاربة الإرهاب وخطايا المقاومة رغم أن إسرائيل لم تتنازل في يوم من الأيام عن حلم واحد من أحلامها التوسعية..

كان السلاح الأمريكي أداة إسرائيل التي استباحت بها كل مقدرات هذه الأمة وفي الأيام الأخيرة جربت إسرائيل أنواعا كثيرة من الاسلحة الأمريكية في أطفال غزة الصغار وبعد ذلك مازال البعض يتغني بالسلام وحقوق الإنسان.. كان الانقسام العربي البوابة التي دخل منها الانقسام الفلسطيني.. ثم كان انقسام الشارع العربي الذي حاول البعض استغلاله أما تبرئة لنفسه أو إدانة للآخرين.. والغريب في الأمر أن إسرائيل نفذت خطتها في غزة ولم تسمع أحدا علي الإطلاق ولم تضع شيئـا في حساباتها فلا الأمريكان رفضوا.. ولا الأصدقاء سمع لهم أحد.. تدخلت تركيا بكل رصيدها من العلاقات مع تل أبيب.. وأبدت سخطها.. ولم يسمعها أحد.. ورغم العلاقات الوطيدة بين بعض الدول العربية والإدارة الأمريكية لم تحاول أمريكا تغيير موقفها.. بل أن أطرافا دولية أخري مثل فنزويلا كانت أكثر إيجابية في مواقفها تجاه إسرائيل..

إن تدمير غزة بهذه الصورة الوحشية من هذا الكيان الوحشي تضع الدول العربية بلا استثناء أمام واقع شديد القسوة والمرارة والاحباط..

* إن السلام العاجز هو الذي وصل بالعالم العربي رغم كل الظروف إلي هذه الحالة التي لم يستطع فيها أن يتخذ مواقف تتناسب مع ما حدث.. ليس المطلوب أن تعلن العواصم العربية الحرب ولكن أقل ما يمكن أن تتخذه من الإجراءات والمواقف وهي كثيرة ما يجعل إسرائيل تشعر بأن العرب قادرون علي فعل شيء.. أي شيء..

* إذا كانت الإدارة الأمريكية تراهن دائما علي الانقسام العربي الذي نجحت في رسم صورته في السنوات الماضية فكان ينبغي أن يكون للحكومات العربية الموالية لأمريكا موقف أكثر حسما خاصة أننا أمام إدارة أمريكية فاشلة سوف تنزاح بعد أيام قليلة..

* عندما توحدت كلمة العرب كانت معجزة أكتوبر بكل ما حملته من عناصر القوة والوحدة في ظرف تاريخي صعب.. ولا أدري هل يمكن لنا أن نستفيد من دروس الماضي خاصة أن العدو لم يغير أساليبه ولم يبدل قناعاته ومازال يعتقد أن القوة العسكرية هي ضمان البقاء..

* كان الأولي بأبناء الشعب الفلسطيني أصحاب القضية أن يدركوا أن الانقسام العربي خطيئة تاريخية فادحة ومأزق رهيب كان وراء الكثير من اخفاقات هذه الأمة.. وكان ينبغي أن يستفيد أبناء فلسطين من دروس الماضي التي دفع العرب ثمنها دما ودموعا وحرية, ولكن الداء سري بين أبناء الشعب الواحد وكانت الكارثة.. أن الشعب الفلسطيني في حاجة الآن أن يجمع صفوفه مرة أخري ويوحد قيادته حتي ولو أسقط كل من كانوا سببا في هذه الانقسامات..

* من الخطأ الجسيم أن يتصور البعض أن السلام يعني إغلاق أبواب المقاومة لأن المقاومة ليست حماس وحزب الله والجهاد.. أن المقاومة ملايين من البشر الذين يدركون خطر الكيان الصهيوني علي هذه الأمة..

إن إسرائيل في حالة حرب منذ نشأتها ولم تتغير عقيدتها القتالية كشعب منبوذ اغتصب أرضا وعاش عليها وهو يدرك إن القوة والقتل هما وسيلته للبقاء فكيف تحرم الآخرين من أن يدافعوا عن أوطانهم وتاريخهم وأطفالهم ومستقبلهم..

* في السجل الإسرائيلي الحافل صفحات كثيرة سوداء ملطخة بالدماء من دير ياسين إلي بحر البقر إلي قانا وصبرا وشاتيلا وأخيرا مذبحة غزة..

وهذا التاريخ الأسود شمل أكثر من وطن وأكثر من أرض وأكثر من شعب وما نراه الآن علي شاشات التليفزيون حدث قبل ذلك عشرات المرات.. بعيدا عن الكاميرات.. ولن يكون الأمر غريبا أن تتكرر هذه المشاهد في أماكن أخري وعواصم عربية تتصور أنها في مأمن من الطوفان مادامت عصابة تل أبيب تحترف القتل والعدوان وتجد من يشجعها ويساندها في ذلك.. إن القضاء علي المقاومة هو ما تسعي إليه إسرائيل.. وبعد ذلك كله مازال بيننا من يدين الضحية.. ويدافع عن القتلة.. إنه عار ما بعده عار..

..ويبقى الشعر

مت صامدا
واترك عيون القدس تبكي
فوق قبرك ألف عام..

قد يسقط الزمن الرديء
ويطلع الفرسان من هذا الحطام
قد ينتهي صخب المزاد..

وتكشف الأيام أقنعة السلام
إن نامت الدنيا..
وضاع الحق في هذا الركام

فلديك شعب لن يضل.. ولن ينام..
مت صامدا
واترك نداء الصبح يسري هادرا

وسط الجماجم والعظام
اترك لهم عبث الموائد
والجرائد والمشاهد والكلام

اترك لهم شبق الفساد
ونشوة الكـهان بالمال الحرام
أطلق خيولـك من قيود الأسر

من صمت المآذن
والكنائس والخيام
إن الشعوب وإن تمادي الظلم

سوف تدق أعناق السماسرة العظام
إن الشعوب وإن توارت
في زمان القهر

سوف تـطل من عليائها
ويعود في يدها الزمام..
فارفع جبينك نحو ضوء الشمس

إن الصبح آت
لن يطول بنا الظلام
blog comments powered by Disqus